رائدُ الفلسفة الإسلاميّة (الثاني) شيخ الأزهر الإمام النّوراني أ. د. عبد الحليم محمود الأشعري المالكي الشّاذلي 1328 - 1398هــــ رضي الله عنه.
شيخ الأزهر الإمام عبدالحليم محمود الشاذلي 1328 - 1398هـــ رضي الله عنه |
سُلطان الأوليــــــــــاء والعارفين، شيخُ الجامع الأزهر الشريف الإمام الربّاني مولانا عبدالحليم محمود الأشعري المالكي الشاذلي 1328 - 1398هــــ قدّس الله سره .. ورضي الله عنه وأرضاه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ونفعنا بعلومه ومعارفه في الدارين.
شيخ الإسلام والمسلمين، وإمام أئمة أهل السُنة والجماعة في عصره، فريد دهره ووحيد عصره: سيّدنا ومولانا عبدالحليم محمود الأشعري المالكي الشاذلي (1328 - 1398هــــ/ 1910 - 1978م) قدّس الله روحه، ونوّر ضريحه، عالمٌ ربانيٌ أزهريٌ جليل، وعلامةٌ محققٌ كبير، فقيهٌ، أصوليٌ، مُحدِّثٌ، مسندٌ، لغويٌ، متكلمٌ، صوفيٌ، فيلسوفٌ نظار، مفكرٌ، جامعٌ بين علوم الشريعة وأسرار الحقيقة، المجمعُ على جلالة قدره وولايته وإمامته في الدّين في سائر أنحاء العالم العربي والإسلامي، وزير الأوقاف المصري، وشيخ الجامع الأزهر الشريف في الفترة بين عامي (1393 - 1398هــــ / 1973 – 1978م).
رائدُ الفلسفة الإسلاميّة (الثاني) شيخ الجامع الأزهر الشريف الإمام النّوراني أ. د. عبد الحليم محمود الأشعري المالكي الشّاذلي 1328 - 1398هــــ رضي الله عنه.
محتويات :
1 - سيرته الذاتية . 2 - توليه المشيخة الكبرى للأزهر الشريف . 3 - إرهاصات الإصلاح والتجديد والنهضة العلمية بالأزهر الشريف . 4 - استعادة هيبة الأزهر ومشيخته . 5 - مسؤولية شيخ الأزهر . 6 - الكتب الدينية المشتركة . 7 - المحاكم العسكرية غير مؤهلة . 8 - التوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية . 9 - تطبيق الشريعة الإسلامية . 10 - الاهتمام بأمور المسلمين وشؤونهم . 11 - الأزمة المغربية الجزائرية .12 - وفاة فضيلة الأمام الأكبر - قدس الله روحه ونور ضريحه -.13 - مصادر خارجية . 14 - طالع أيضًا .
سيرته الذاتية رضي الله عنه :
ولد رضي الله عنه في 2 جمادى الأولى سنة 1328هــــــــــ الموافق 12 مايو 1910م، بقرية أبو أحمد مركز بلبيس بمحافظة الشرقية. نشأ في أسرة كريمة مشهورة بالعلم والصلاح والتقوى، وكان أبوه ممن تعلم بالجامع الأزهر الشريف. حفظ القرآن الكريم ثم التحق بالأزهر سنة 1343هــــــــ/ 1923م، حصل على العالمية سنة 1351هـــــــ = 1932م، ثم سافر إلى فرنسا على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي حيث حصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية عن العارف بالله الإمام الحارث بن أسد المحاسبي رضي الله عنه سنة 1359هــــــ = 1940م. بعد عودته عمل مدرسا لعلم النفس بكلية اللغة العربية بكليات الأزهر ثم عميدا لكلية أصول الدين سنة 1384هـــــــ = 1964م، وعضوا ثم أمينا عاما لمُجمع البحوث الإسلامية فنهض به وأعاد تنظيمه، عُين وكيلا للأزهر سنة 1390 هـــــــــ = 1970م فوزيرا للأوقاف وشؤون الأزهر.توليه رضي الله عنه المشيخة الكبرى للأزهر الشريف : تولى الإمام عبد الحليم محمود الشَّاذلي رضي الله عنه مشيخة الأزهر في ظروف بالغة الحرج، وذلك بعد مرور أكثر من 10 سنوات على صدور قانون الأزهر سنة 1381هــــــــ = 1961م الذي توسع في التعليم المدني ومعاهده العليا، وألغى هيئة كبار العلماء، وقلص سلطات شيخ الأزهر، وغلّ يده في إدارة شؤونه، وأعطاها لوزير الأوقاف وشئون الأزهر، وهو الأمر الذي عجّل بصدام عنيف بين شيخ الأزهر الأسبق الإمام الأكبر محمود شلتوت رضي الله عنه الذي صدر القانون في عهده وبين تلميذه الدكتور محمد البهي الذي كان يتولى منصب وزارة الأوقاف، وفشلت محاولات الشيخ الجليل في استرداد سلطاته، وإصلاح الأوضاع المقلوبة. لم يكن أكثر الناس تفاؤلا يتوقع للإمام عبد الحليم محمود الشَّاذلي رضي الله عنه أن يحقق هذا النجاح الذي حققه في إدارة الأزهر، فيسترد للمشيخة مكانتها ومهابتها، ويتوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية على نحو غير مسبوق، ويجعل للأزهر رأيا وبيانا في كل موقف وقضية، حيث أعانه على ذلك صفاء نفس ونفاذ روح، واستشعار المسؤولية الملقاة على عاتقه، وثقة في الله عالية، جعلته يتخطى العقبات ويذلل الصعاب. للإمام عبد الحليم محمود الشَّاذلي رضي الله عنه أكثر من 100 مؤلف وكتاب في الدراسات الإسلامية والتصوف والفلسفة الإسلامية والغربية، بعضها باللغة الفرنسية.
من أشهر كتبه ومصنفاته:
- أوروبا والإسلام.
- التوحيد الخالص، أو : الإسلام والعقل.
- أسرار العبادات في الإسلام. -
- التفكير الفلسفي في الإسلام (وهو من أعظم مصنفاته).
- القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم.
- سلسلة تراجم وسير أقطاب التصوف الإسلامي.
- ((موسوعة أعمال الإمام عبد الحليم محمود)):
بيانات الموسوعة العلمية المباركة:
المؤلف :
شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر أ. د. عبد الحليم محمود الشَّاذلي رضي الله عنه .
عدد الأجزاء: 17الطبعة رقم : 1الناشر: دار الكتاب اللبناني . القياس 24cm x 17cm : الغلاف: تجليد فني فاخر مع علبة .
تعريف الناشر :
- التفكير الفلسفي في الإسلام - جزء 1
- الرسول صلى الله عليه وسلم - جزء 2
- يا رب - جزء 3
- العبادة (أحكام الرسول) - جزء 4
- محمد رسول الله - جزء 5
- الحج إلى بيت الله الحرام - جزء 6
- فلسفة ابن طفيل الأندلسي - جزء 7
- شرح كتاب: ((المنقذ من الضلال)) لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي رضي الله عنه - جزء 8
- الإسلام والإيمان - جزء 9
- الإسلام والايمان - جزء 10
- الإسلام والشيوعية - جزء 11
- قطبا المغرب - جزء 12
- دلائل النبوة - جزء 13
- الفقهاء والمحدثون - جزء 14
- الفقهاء والمحدثون - جزء 15
- الفقهاء والمحدثون - جزء 16
- لطائف المنن - جزء 17
إرهاصات الإصلاح والتجديد والنهضة العلمية الكبرى بالأزهر الشريف:
بدت بوادر الإصلاح واضحة في سلوك الإمام عبد الحليم محمود الشَّاذلي رضي الله عنه بعد توليه أمانة مجمع البحوث الإسلامية الذي حل محل هيئة كبار العلماء، فبدأ بتكوين الجهاز الفني والإداري للمجمع من خيار رجال الأزهر، وتجهيزه بمكتبة علمية ضخمة استفاد في تكوينها صداقاته وصلاته بكبار المؤلفين والباحثين وأصحاب المروءات. عمل الإمام رضي الله عنه على توفير الكفايات العلمية التي تتلاءم ورسالة المجمع العالمية، وفي عهده تم عقد مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، وتوالى انعقاده بانتظام، كما أقنع المسؤولين بتخصيص قطعة أرض فسيحة بمدينة نصر لتضم المجمع وأجهزته العلمية والإدارية، ثم عني بمكتبة الأزهر الكبرى، ونجح في تخصيص قطعة أرض مجاورة للأزهر لتقام عليها.أثناء توليه رضي الله عنه لوزارة الأوقاف عني بالمساجد عناية كبيرة، فأنشأ عددا منها، وضم عددا كبيرا من المساجد الأهلية، وجدد المساجد التاريخية الكبرى مثل جامع سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه، أقدم مساجد الإسلام في قارة إفريقيا كلها، وأوكل الخطبة فيه إلى الشيخ الإمام المجدد الرباني محمد الغزالي (1336 - 1416هـــــ) رضي الله عنه فدبت فيه الروح، وعادت إليه الحياة بعد أن اغتالته يد الإهمال، وتدفقت إليه الجماهير من كل صوب وحدب، وأنشأ بمساجد الوزارة فصولا للتقوية العلمية ينتفع بها طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية جذبت آلافا من الطلاب إلى المساجد وربطتهم بشعائر دينهم الحنيف.رأى الإمام رضي الله عنه أن للوزارة أوقافا ضخمة تدر ملايين الجنيهات أخذها الإصلاح الزراعي لإدارتها لحساب الوزارة، فلم تعد تدر إلا القليل، فاستردها من وزارة الإصلاح الزراعي، وأنشأ هيئة كبرى لإدارة هذه الأوقاف لتدر خيراتها من جديد، وعلم أن هناك أوقافا عدت عليها يد الغصب أو النسيان، فعمل على استرداد المغتصب، وإصلاح الخرب.
صدر قرار تعيين الإمام عبد الحليم محمود الشَّاذلي رضي الله عنه شيخا للأزهر الشريف في 22 صفر 1393هـــــــ = 27 مارس 1973م، وكان هذا هو المكان الطبيعي الذي أعدته المقادير له، وما كاد الإمام رضي الله عنه يمارس أعباء منصبه وينهض بدوره على خير وجه حتى بوغت بصدور قرار جديد من رئيس الجمهورية في 17 جمادى الآخرة 1394هــــــــ = 7 يوليو 1974م، يكاد يجرد شيخ الأزهر مما تبقى له من اختصاصات ويمنحها لوزير الأوقاف والأزهر، فما كان من الإمام إلا أن قدم استقالته لرئيس الجمهورية على الفور، معتبرا أن هذا القرار يغض من قدر هذا المنصب الإسلامي الجليل ويعوقه عن أداء رسالته الروحية في مصر والعالم العربي والإسلامي.روجع الإمام الأكبر رضي الله عنه في أمر استقالته، وتدخل الحكماء لإثنائه عن قراره، لكن الإمام أصر على استقالته، وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه، ورفض تناول راتبه، وطلب تسوية معاشه، وأحدثت هذه الاستقالة دويا هائلا في مصر وسائر أنحاء العالم العربي والإسلامي، وتقدم أحد المحامين الغيورين برفع دعوى حسبة أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ضد رئيس الجمهورية ووزير الأوقاف، طالبا وقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية.إزاء هذا الموقف الملتهب اضطر الرئيس محمد أنور السادات إلى معاودة النظر في قراره ودراسة المشكلة من جديد، وأصدر قرارا أعاد فيه الأمر إلى نصابه، جاء فيه: ((شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشؤون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهر)). تضمن القرار أن يعامل شيخ الأزهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش، ويكون ترتيبه في الأسبقية قبل الوزراء مباشرة، وانتهت الأزمة وعاد الشيخ إلى منصبه ليواصل جهاده. وجدير بالذكر أن قرارا جمهوريا صدر بعد وفاة الإمام عبد الحليم محمود الشَّاذلي رضي الله عنه بمساواة منصب شيخ الأزهر بمنصب رئيس الوزراء.
مسؤولية شيخ الأزهر الشريف :
كان الإمام عبد الحليم محمود الشَّاذلي رضي الله عنه يدرك خطورة منصبه، وأنه مسؤول عن القضايا التي تتعلق بالمسلمين، وأنه لا ينتظر من أحد توجيها إلى النظر في بعض القضايا وغض النظر عن بعضها، فكان للأزهر في عهده رأي ومقال في كل قضية وموضوع يتعلق بأمر المسلمين، فتصدى لقانون الأحوال الشخصية الذي حاولت الدكتورة عائشة راتب إصداره دون الرجوع إلى الأزهر، وحرصت على إقراره من مجلس الشعب على وجه السرعة، وكان هذا القانون قد تضمن قيودا على حقوق الزوج على خلاف ما قررته الشريعة الإسلامية.ولما علم الإمام الأكبر رضي الله عنه بهذا القانون أصدر بيانا قويا حذر فيه من الخروج على تعاليم الإسلام، وأرسله إلى جميع المسئولين وأعضاء مجلس الشعب وإلى الصحف، ولم ينتظر صدور القانون بل وقف في وجهه قبل أن يرى النور، لكن بيان الإمام تآمرت عليه قوى الظلام فصدرت التعليمات إلى الصحف بالامتناع عن نشره، واجتمعت الحكومة للنظر في بيان الإمام عبد الحليم محمود الشَّاذلي رضي الله عنه، ولم تجد مفرا من الإعلان عن أنه ليس هناك تفكير على الإطلاق في تعديل قانون الأحوال الشخصية، وبذلك استطاع الإمام أن يقتل هذا القانون في مهده.
اقترح البابا شنودة بطريرك الأقباط في مصر تأليف كتب دينية مشتركة ليدرسها الطلبة المسلمون والمسيحيون جميعا في المدارس، مبررا ذلك بتعميق الوحدة الوطنية بين عنصري الأمة، وتقوية الروابط بينهما. لقي هذا الاقتراح قبولا بين كبار المسئولين، وزار الدكتور مصطفى حلمي وزير التربية والتعليم آنذاك الإمام الأكبر رضي الله عنه ليستطلع رأيه في هذا الاقتراح، لكن الشيخ الغيور واجه الوزير بغضبة شديدة قائلا له: ((من آذنك بهذا، ومن الذي طلبه منك، إن مثل هذه الفكرة إذا طلبت فإنما توجه إلينا من كبار المسؤولين مباشرة، ويوم يطلب منا مثل هذه الكتب فلن يكون ردي عليها سوى الاستقالة)).فما كان من الوزير إلا أن استرضى الشيخ الغاضب وقدم اعتذارا له قائلا له: (إنني ما جئت إلا لأستطلع رأي فضيلتكم وأعرف حكم الدين، ويوم أن تقدم استقالتك لهذا السبب فسأقدم استقالتي بعدك مباشرة)!.
المحاكم العسكرية غير مؤهلة :
من مواقف الشجاعة الشهيرة للإمام ما أبداه تجاه المحكمة العسكرية التي تصدت للحكم في قضية جماعة: ((التكفير والهجرة)) المصرية، وكانت المحكمة قد استعانت بعدد من علماء الأزهر لإبداء الرأي في فكر هذه الجماعة، غير أن المحكمة لم تسترح لرأيهم، وكررت ذلك أكثر من مرة، وكانت في عجلة من أمرها؛ الأمر الذي جعلها تصدر أحكاما دون استئناس برأي الأزهر الشريف.لم تكتف هذه المحكمة بذلك بل تضمن حكمها هجوما على الأزهر وعلمائه، وقالت: (إنه كان على المسئولين عن الدعوة الدينية أن يتعهدوا الأفكار بالبحث والتدبر بدلا من إهمالها وعدم الاعتناء بمجرد بحثها. ولمزت المحكمة علماء الأزهر بقولها: (ووا أسفا على إسلام ينزوي فيه رجال الدين في كل ركن هاربين متهربين من أداء رسالتهم أو الإفصاح عن رأيهم أو إبداء حكم الدين فيما يعرض عليهم من أمور، فلا هم أدوا رسالتهم وأعلنوا كلمة الحق، ولا هم تركوا أماكنهم لمن يقدر على أداء الرسالة).كانت كلمات المحكمة قاسية وغير مسؤولة وتفتقد إلى الموضوعية والأمانة، وهو ما أغضب الإمام الأكبر رضي الله عنه لهذا الهجوم العنيف، فأصدر بيانا امتنعت معظم الصحف اليومية عن نشره، ولم تنشره سوى صحيفة (الأحرار). في هذا البيان اتهم الإمام عبد الحليم محمود الشَّاذلي رضي الله عنه المحكمة بالتعجل وعدم التثبت، وأنها لم تكن مؤهلة للحكم على هذا الفكر، وأنها تجهل الموضوع الذي تصدرت لمعالجته، وكان يجب عليها أن تضم قضاة شرعيين يقفون موقفها ويشاركونها المسؤولية ويتمكنون من الاطلاع على جميع ظروف القضية ونواحيها فيتمكنون من إصدار الحكم الصحيح.اتهم الإمام رضي الله عنه المحكمة بأنها لم تمكن علماء الأزهر الشريف من الاطلاع على آراء هذا التنظيم أو الاستماع إلى شرح من أصحابه، والاطلاع على كافة الظروف التي أدت بهم إلى هذا الفكر، واكتفت بأن عرضت عليهم المحضر الذي سجلته النيابة من أقوال ومناقشات، وهذا لا يرقى أن يكون مصدرا كافيا يقوم عليه بحث العلماء، أو أساسا متكاملا تصدر عليه أحكام.
التوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية :
تولى الإمام عبد الحليم محمود الشَّاذلي رضي الله عنه مشيخة الأزهر الكبرى في وقت اشتدت فيه الحاجة لإقامة قاعدة عريضة من المعاهد الدينية التي تقلص عددها وعجزت عن إمداد جامعة الأزهر بكلياتها العشرين (20) بأعداد كافية من الطلاب، وهو الأمر الذي جعل جامعة الأزهر تستقبل أعدادا كبيرة من حملة الثانوية العامة بالمدارس، وهم لا يتزودون بثقافة دينية وعربية تؤهلهم أن يكونوا حماة الإسلام.أدرك الشيخ الأكبر رضي الله عنه خطورة هذا الموقف فجاب القرى والمدن يدعو الناس للتبرع لإنشاء المعاهد الدينية، فلبى الناس دعوته وأقبلوا عليه متبرعين، ولم تكن ميزانية الأزهر تسمح بتحقيق آمال الإمام في التوسع في التعليم الأزهري، فكفاه الناس مؤونة ذلك، وكان لصلاته العميقة بالحكام وذوي النفوذ والتأثير وثقة الناس فيه أثر في تحقيق ما يصبو إليه، فزادت المعاهد الأزهرية في عهده على نحو لم يعرفه الأزهر من قبل.
تطبيق الشريعة الإسلامية بالديار المصرية :
من أهم دعوات الإمام الأكبر رضي الله عنه دعوته إلى تطبيق الشريعة الإسلامية من ميادين الجهاد التي خاضها في صبر وجلد داعيا وخطيبا ومحاضرا ومخاطبا المسؤولين في البلاد، فكتب إلى كل من: سيد مرعي رئيس مجلس الشعب، وممدوح سالم رئيس مجلس الوزراء يطالبهما بالإسراع في تطبيق الشريعة الإسلامية، ويقول لهما: (لقد آن الأوان لإرواء الأشواق الظامئة في القلوب إلى وضع شريعة الله بيننا في موضعها الصحيح ليبدلنا الله بعسرنا يسرا وبخوفنا أمنا...).لم يكتف الإمام الأكبر رضي الله عنه بإلقاء الخطب والمحاضرات وإذاعة الأحاديث، بل سلك سبيل الجهاد العلمي، فكون لجنة بمُجمّع البحوث الإسلامية لتقنين الشريعة الإسلامية في صيغة مواد قانونية تسهل استخراج الأحكام الفقهية على غرار القوانين الوضعية، فأتمت اللجنة تقنين القانون المدني كله في كل مذهب من المذاهب الأربعة : الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
كان الإمام عبد الحليم محمود الشَّاذلي رضي الله عنه يستشعر أنه إمام المسلمين، والمرشد الروحي الأعلى في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وأنه مسؤول عن قضاياهم أمام الله عزوجل، وكان المسلمون ينظرون إليه نظرة تقدير وإعجاب وتعظيم، فهم يعتبرونه رمز الإسلام وزعيم المسلمين الروحي، ولهذا كان يخفق قلب الإمام الأكبر رضي الله عنه لكل مشكلة تحدث في العالم الإسلامي، ويتجاوب مع كل أزمة تلمّ ببلد إسلامي.فقد أصدر بيانا بشأن الأحداث الدامية والحرب الأهلية في لبنان، دعا الأطراف المتنازعة من المسلمين والمسيحيين إلى التوقف عن إراقة الدماء وتخريب معالم الحياة، وأهاب بزعماء العرب والمسلمين إلى المسارعة في معاونة لبنان على الخروج من أزمته، وفاء بحق الإسلام وحق الأخوة الوطنية والإنسانية، وقياما ببعض تبعات الزعامة والقيادة التي هي أمانة الله في أعناقهم.لم يكتف الإمام عبد الحليم محمود الشَّاذلي رضي الله عنه بذلك بل أرسل برقية إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية يناشده العمل بحسم وعزم على وقف النزيف الدموي الذي أسالته المؤامرات المعادية على أرض لبنان.
قامت أزمة عنيفة بين المغرب والجزائر بشأن مشكلة الصحراء الغربية التي كانت أسبانيا تحتلها، وأدى الخلاف بينهما إلى مناوشات حربية كادت تتحول إلى حرب عنيفة. لما علم الإمام الأكبر عبد الحليم محمود الشَّاذلي رضي الله عنه بأخبار هذه التحركات سارع إلى إرسال برقية إلى كل من ملك المغرب ورئيس الجزائر، دعاهما إلى التغلب على نوازع الخلاف وعوامل الشقاق والفرقة، وأن يبادرا بتسوية مشكلاتهما وموضوعات الخلاف بينهما بالتفاهم الأخوي والأسلوب الحكيم، وناشدهما باسم الإسلام أن يلقيا السلاح وأن يحتكما إلى كتاب الله عزوجل.أرسل رضي الله عنه في الوقت نفسه برقية إلى الرئيس الراحل محمد أنور السادات يرجوه التدخل للصلح بين القطرين الشقيقين، جاء فيها: (تتعلق بزعامتكم قلوب المسلمين من العرب والمسلمين الذين ينتظرون مساعيكم الحميدة في إصلاح ذات البين بمناسبة الصدام المسلح المؤسف بين البلدين الشقيقين الجزائر والمغرب).رد السادات على برقية شيخ الأزهر رضي الله عنه ببرقية يخبره فيه بمساعيه للصلح بين الطرفين جاء فيها: (تلقيت بالتقدير برقيتكم بشأن المساعي لحل الأزمة بين الجزائر والمغرب، وأود أن أؤكد لكم أن مصر تقوم بواجبها القومي من أجل مصالح العرب والمسلمين، وما زال السيد محمد حسني مبارك نائب الرئيس يقوم بمهمته المكلف بها، أرجو الله عز وجل أن يكلل جهوده بالنجاح والتوفيق...).في الوقت نفسه أرسل برقية إلى الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية آنذاك يدعوة للتدخل إلى حقن الدماء بين الشقيقين وفض النزاع بينهما، وقد أحدثت هذه البرقيات أصداء قوية، وكانت عاملا في هدوء الحالة بين الدولتين الشقيقتين المغرب والجزائر.
كانت حياة شيخ الأزهر الإمام عبد الحليم محمود الشَّاذلي رضي الله عنه جهادا متصلا وإحساسا بالمسؤولية التي يحملها على عاتقه، فلم يركن إلى اللقب الكبير الذي كان يحمله، أو إلى جلال المنصب الذي يتقلده، فتحرك في كل مكان يرجو فيه خدمة الإسلام والمسلمين، وأحس الناس فيه بقوة الإيمان وصدق النفس، فكان يقابل مقابلة الملوك والرؤساء، بل أكثر من ذلك؛ حيث كانت جموع المسلمين المحتشدة والتي بلغت مئات الآلاف هرعت لاستقباله في: الهند، وباكستان، وماليزيا، وأندونيسيا، وإيران، والمغرب، وغيرها من الدول العربية والإسلامية كانت قد خرجت عن حب واعتقاد وطواعية لا عن سوق وحشد وإجبار.في ظل هذا الجهود المباركة والرحلات المتتابعة لتفقد أحوال المسلمين في شتى بقاع العالم، شعر الإمام رضي الله عنه بآلام شديدة بعد عودته من الأراضي المقدسة فأجرى عملية جراحية لقي الله عزوجل بعدها في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق (15 ذو القعدة 1398هــــــــــ = 17 أكتوبر 1978م) تاركاً ذكرى طيبةً، وقدوةً حسنةً، ومثالاً مشرقاً مُضيئاً لأئمة الإسلام المُجدّدين، ونموذجاً فريداً لما يجب أن يكون عليه شيخ الأزهر الشريف، رحمه الله تعالى رحمة الأبرار، وأسكنه جنات تجري من تحتها الأنهار، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ونفعنا بعلومه ومعارفه، وأسراره ونفحاته، وأعاد علينا من أنواره وبركاته في الدارين، وأمدنا بمدده في كل آن وحين، آمين آمين أمين بجاه سيد المرسلين .. ((الفاتحة)).
مصادر خارجية :
الإمام عبد الحليم محمود رضي الله عنه (الموقع الرسمي).
عبد الحليم محمود من إسلام اون لاين.
طالع أيضًا تراجم وسير ومناقب ومؤلفات:
1 - رائد النهضة الإسلامية الحديثة الإمام الأمير السيّد جمال الدّين الأفغاني الحُسيني الحنفي (1254 - 1314هــ).
2 - مُجدّد الإسلام الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده الحنفي مُفتي الدّيار المصرية (1266 - 1323هـــ).
3 - الإمام العلامة الجليل السيّد محمد رشيد رضا الحُسيني الحنفي (1283 - 1353هـــ).
4 - شيخ الأزهر وقاضي القضاة فضيلة الإمام الأكبر محمد مصطفى المراغي الحنفي (1298 - 1364هـــ).
5 - رائد الفلسفة الإسلامية (الأول) شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر أ. د. مُصطفى عبدالرّازق الشافعي (1303 - 1366هـــ).
6 - شيخ الأزهر ومُفتي الدّيار المصرية فضيلة الإمام الأكبر عبد المجيد سليم الحنفي (1299 - 1374هـــ).
7 - شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر أ. د. محمد عبد الرحمن بيصار (1328 - 1402هـــ).
8 - علامة الشام فقيه الأدباء وأديب الفقهاء القاضي الشيخ علي الطنطاوي الحنفي (1327 - 1418هـــ).
9 - عميد الأدب العربي العلامة الحجة الكبير الشيخ محمود محمد شاكر الحنفي (1327 - 1418هــــ).
10 - بركة العصر الإمام العارف بالله مولانا محمد متولي الشعراوي (1329 - 1419هـــ).
11 - مُجدّد القرن سماحة شيخ الإسلام أبي الحسن علي الحسني النّدوي الحنفي المُجدّدي (1333 - 1420هــــ).
12 - رئيس الأشاعرة في عصره العلامة أ. د. علي سامي النشّار (1335 - 1400هــــ).
13 - الإمام المُجدّد الرباني الشيخ محمد الغزالي الحنفي (1336 - 1416هـــ).
14 - العلامة الموسوعي الحبر الكبير أ. د. محمد رجب البيومي (1342 - 1432هـــ).
15 - علامة الشام الإمام العارف بالله الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي الشافعي (1349هـــ - 0000).
16 - رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين شيخ الإسلام جمال الدّين يوسف القرضاوي الحنفي (1345هـــ - 0000).
17 - نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الإمام العلامة الحافظ سيدي عبد الله بن بيّه الشنقيطي المالكي.
18 - رائد المدرسة الفكرية الوسطية الإسلامية العالمية العلامة المُحقق الجليل أ. د. محمد عمارة (1351هـــ - 0000).
19 - المُفكّر والفيلسوف والفقيه القانوني الكبير العلامة أ. د. محمد سليم العوّا (1362هـــ - 0000).
20 - مُحدّث الحرمين الإمام العلامة أ. د. السيّد محمد علوي الإدريسي المالكي (1367 - 1425هــ).
21 - شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيّب الأشعري المالكي الخلوتي (1365هـــ - 0000).
22- مُفتي الدّيار المصرية الإمام العلامة أ. د. علي جمعة الشافعي.
(منقول من ويكيبيديا بزيادات وتصرف يسير).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق